في عالم مثالي يرفض مهاجم بنى مسيرته كاملة على انتهاز الفرص، أن ينتهز فرصة الحصول على ركلة جزاء؛ لأنه رأى أنه لم تتم إعاقته. نفس المهاجم بعد سنوات من انتهاز الفرص يطالب حكماً أن يلغي هدفاً قد سجله بالفعل؛ لأنه أسكن الكرة الشباك باستخدام يده. هذا المهاجم هو ميروسلاڤ كلوزه الذي نؤكد لك أنه استثناء لا يمكن القياس عليه.
في مقابل كل موقف مشابه لموقف كلوزه عشرات المواقف التي تضع الغاية مبرراً لأي وسيلة تستخدم لتحقيق الفوز مهما بدت خارجة. فقط لأن محاولة تحسين الوضع أخلاقياً تعني بداهة لعبة أخرى، لا تنتمي للعبة نشأت في الأساس لإشباع بعض الرغبات الذكورية داخل الشباب.
بين هذه النظرية وتلك لا تزال كرة القدم عالقة داخل صراع ما بين كونها صناعة يسعى جميع من ينتمي لها إلى الانتصار، وفناً يفترض أن تكون غايته النهائية الإمتاع.
على كل أنتج لنا هذا الصراع شيئاً جديداً يصعب تعريفه اصطلح الغرب على وصفه بـ«فنون كرة القدم المظلمة» أو ما يمكننا وصفه بالمصرية الدارجة بالـ«صياعة». فما قصته؟
توجد عدة طرق للفوز بمباراة كرة قدم. أكثر هذه الطرق تقليدية هي الفوز لكونك فريقاً أفضل من المنافس بالطبع تثير هذه الطريقة الإعجاب، لأنها تشبع الرغبة في فرض السيطرة على الآخر. لكن فرق كرة القدم من أعلى وأسفل الهرم الكروي، تعلمت مع الوقت طرقاً أخرى للفوز، عبر الحصول على أفضلية نفسية نسبية على المنافس.
تكتيكات مثل: الدفع، شد الأقمصة، الوقوف على الأقدام، السب والبصق على المنافس والغطس كلها استراتيجيات استخدمت طوال تاريخ كرة القدم لكسب أفضلية على المنافس ومحاولة عزله عن أجواء المباراة بعيداً عن أعين الحكام.
حتى ندرك إلى أي مدى بات التحايل بشتى الطرق جزءاً من كرة القدم يخبرنا الإيطالي جيانليوكا ڤيالي في كتابه The Italian Job، أنه عندما يحصل مهاجم على ركلة جزاء عبر الغطس لا يتهم بالغش بل ينتقد المدافع الذي سمح له بالحصول على الفرصة لخداع الحكم.
يعتقد چورچ هانيمان لاعب ميلوال، الفريق صاحب السمعة السيئة في ما يخص استخدام فنون كرة القدم المظلمة، أنه لا يوجد أي لاعب يبدأ المباراة بنية استخدام استراتيجية معينة لإخراج منافسه من المباراة، لكن المشاعر والسياق يحددان مدى انخراط اللاعب في مثل تلك الممارسات. والهدف بحسب رأيه هو إشعار المنافس بوجودك لا أكثر ولا أقل.
حقيقة من الصعب جداً أن يعترف مدرب بدخوله المباراة واضعاً استراتيجية خبيثة لإخراج المنافس من المباراة، لكننا في الوقت نفسه نعلم أن ذلك يحدث حتى ولو لم يصرح به أحد. وحتى نتأكد كان علينا الذهاب بعيداً عن فرق النخبة، إذ لا يعد الاعتراف بمثل هذه الممارسات مشيناً.
كان چون بيك المدير الفني لكامبريدچ يونايتد في أوائل التسعينيات يحرص دائماً على جعل حياة المنافس جحيماً قبل وأثناء المباراة. على سبيل المثال: كان يرفع درجة حرارة غرفة ملابس الضيوف في الصيف ويعطل أنظمة التدفئة في الشتاء، ويفسد أرضية ملعب المباراة بل وأحياناً يصطحب فريق الناشئين في المباريات خارج ملعبه، ويأمرهم بلعب مباراة أثناء الإحماء لإفساد أرضية الملعب.
هذه الممارسات وقتئذ وقعت في منطقة رمادية من القانون، تمنحه أفضلية حقيقية دون عقاب. بالطبع بدأت الآن في تذكر تكتيكات مشابهة مارسها نخبة مدربي ولاعبي العالم في عصر ترصد به الكاميرات كل شيء.
«لقد عملت في مانشستر سيتي لأربع سنوات، أمتلك كل المعلومات».
— ميكيل أرتيتا، المدير الفني لأرسنال الإنجليزي
بهذه العبارة الغامضة رد المدير الفني الإسباني لأرسنال على اتهامات لاعبي مانشستر سيتي لفريقه باستخدام أساليب ملتوية للفوز بالمباراة التي جمعت الفريقين في منتصف سبتمبر 2024. توحي عبارة أرتيتا أن فريق بيب استخدم أساليب مشابهة في إضاعة الوقت أو استفزاز الخصم في السنوات الأخيرة.
لكن لماذا قد يستخدم فريق بيب الذي يلعب كرة قدم تصنف أنها الأمتع لمثل هذه الحيل. هل يكذب مدرب الأرسنال، أم إننا أمام مفاجأة جديدة؟
يرى المعلق الإنجليزي ريتشارد كييز أن جوارديولا هو من اخترع هذه الطرق «القذرة» لكسب الأفضلية أثناء وجوده في برشلونة. لكن أي برشلونة، الذي يمتلك ميسي؟ هذا اللاعب الذي كان يربح أفضليته النفسية على المنافس عبر تحمل الركل والرفس مراراً دون أن يسقط ليخبر منافسه ضمنياً أنه دخل أرض الملعب ليفوز.
هذه هي المشكلة الحقيقية عند اتهام فريق يلعب كرة قدم جميلة طبقاً لمعايير العصر بارتكاب جرم أخلاقي مثل ارتكاب الأخطاء الاستفزاز أو التحايل على الحكام. لكن الحقيقة هي أن «صايع» واحداً يكفي لترجيح كفة الفريق. على سبيل المثال كان داني ألفيش وسيرچيو بوسكيتس عبقريان في ادعاء التعرض للضرب، ولعب البرازيلي فرناندينهو دوراً استثنائياً في تعطيل هجمات منافسي مانشستر سيتي بالأخطاء التكتيكية مستغلاً سمعته الطيبة بوصفه لاعباً مسالماً وابتسامته التي لا تغرب عن وجهه.
لهذا يبدو منطقياً جداً أن نعترف أن الجميع بلا استثناء قد يستخدم «الصياعة» بما لا يتعارض مع مبادئ كرة القدم الجميلة القائمة على سحر المشاهدين بالكرة، وفي نفس الوقت تجنب السمعة السيئة التي لا تزال تلاحق كل ناد يشرف عليه جوزيه مورينهو أو قد يدربه دييجو سيميوني في المستقبل.
وفي حقيقة الأمر، تحديثات مثل تقنية حكم الڤيديو المساعد، أسهمت في تقليل ظهور فنون كرة القدم المظلمة بشكل صارخ، لكنها كذلك بحكم رغبة البشر الطبيعية في كسر القيود، أنتجت نوعاً جديداً من الخبث، لا يختلف كثيراً عن دهس الأقدام من حيث مخالفته للقانون، لكنه هذه المرة قانونياً.
في أغسطس 2020 نشر موقع Total Football Analysis مقالاً بعنوان نظرية تكتيكية: الفنون المظلمة في زمن الڤار. هدف المقال تحليل الاختلافات الذي طرأت على أساليب لعب أندية كرة القدم بعد تطبيق تقنية حكم الڤيديو المساعد الذي قلص المحاولات الملتوية لكسب أفضلية على المنافس.
خلص المقال الذي حلل عينة من مباريات موسم 2019/2020 أن استخدام الفنون المظلمة لم ينتهِ، لكنه فقط تطور، بحكم الضرورة لا أكثر.
على سبيل المثال، يشير المقال إلى التطور في سمات اللاعب الذي يرتكب الأخطاء، بمعنى أن اللاعب الأفضل في هذا السياق ليس الأكثر عنفاً بل الأكثر قدرة على ارتكاب خطأ بأقل تكلفة حين يضطر لذلك. بمعنى أن ارتكاب الأخطاء في عصر الڤار لم يعد هدفه الأول إرهاب المنافس بتدخلات عنيفة بل حل مأزق تكتيكي معقد.
بينما يشير نفس المقال إلى استمرار الاعتماد على تكتيك إعاقة الحارس أثناء الضربات الثابتة أو ما يعرف بالـ«Screen»، الذي يعد تقنياً خطأ، لأن غايته الواضحة هي إعاقة الحارس عن الوصول للكرة، وليس لعب الكرة نفسها.
بينما كانت آخر التطورات هي افتعال المهاجمين لاحتكاكات مع المدافعين، بدلاً من التمثيل وادعاء السقوط لم تعد تجدي نفعاً.
ربما لن يحبذ أي مشجع أن ينعت فريقه أو مدربه أو لاعبه المفضل بالخبيث، ولا أن تلاحقه الاتهامات باستخدام أساليب غير أخلاقية طبقاً للبعض بغرض الفوز، لكن الأمر الواقع يشير إلى أن انتزاع «الصياعة» من كرة القدم صعباً لدرجة تشبه محاولة لعب رياضة الهوكي دون مضرب.